الدليل الرابع عشر: قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله...)
الدليل الرابع عشر: (( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ))[المائدة:49] إلى قوله تعالى: (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))[المائدة:50]، فالله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وبين له أن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وأخبر أن حكم الله هو خير الأحكام: (( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))[المائدة:50]، فمن مجموع ذلك نعلم أن ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله، وأنه أحسن وأفضل الأحكام، وأنه لا يجوز لأحد أن يحاكم إلى خلافه، وهو مما أنزله الله، ولو تحاكم أحد إلى غيره لكان متحاكماً إلى الجاهلية، ويكون قد ارتكب كفراً، فهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى متكفل وحافظ للسنة؛ لأنها حكم الله، كما أنه تكفل بحفظ القرآن لأنه كلامه والسنة أيضاً أنزلها الله، فيجب أن تحفظ، ويشملها حفظ الله لدينه؛ وإلا لما كان هناك فائدة للإلزام بها، ومن ثبوت كون حكمه صلى الله عليه وسلم هو نفس حكم الله، ومن كون من لم يحكم بها فقد خالف حكم الله. قال: (ونحن لا ندعي عصمة الرواة، فالراوي قد يكذب، أو يغلط؛ لكنه إذا كذب أو غلط أو سها لا بد أن يقوم دليل على ذلك) لأن الله تعالى تكفل بحفظ هذا الدين، فمحال أن يغلط الراوي مثلاً فيقول إن الله تبارك وتعالى أمركم بالزكاة، أو بالصلاة، أو أخبر أنه يكون في يوم القيامة كذا ويغلط الراوي في هذا الحديث، وينقلب عليه، ويفتي أو يجزم بشيء، ويحكم الناس أو يفتون بأمر مبني على هذا الحديث المغلوط، أو المنسي؛ ولا تقوم أي قرينة ولا دلالة على ذلك، فهذا قدح في حفظ الله سبحانه وتعالى، وصفات الله أعظم، والله تعالى لا يمكن أن يقرها على هذا.إذاً فلو أن راوياً غلط أو أخطا أو سهى في حديث فلابد أن يعرف: إما عن طريق المقارنة بالثقات الآخرين من أمثالة، وإما مقارنة سند بسند، أو متناً بمتن، أو بأي أمر من الأمور التي يعلم بها الخطأ، وهذا معلوم لدى الفقهاء والعلماء ولله الحمد.